جميلة و شياطين الإنس.... بقلم الاستاذة المبدعة سياده العزومي

فجر  طيب مبارك  على الجميع بإذن الله

لنضع بصمتنا معاً على وجه هذه الحياة
         
                      رواية جميلة

الجزء الأول/ جميلة وشياطين الإنس.

الحلقة الرابعة /الخامسة /السادسة

توسد بركان الهم ذراع جميلة فوق وسادتها محتلاً كيانها وطاردا النوم من فكرها وعينيها،

ممتدا إلى طفلتها الرضيعة النائمة بجوارها

سرقها النوم وهي تلتقم ثديها فكم تحرم منه كثيرا،

 ولا تملك إلا أن تشتكي بأكل تراب الأرض،

 أو البكاء لأختها الكبرى التي تنام بجوارها حاضنة لها ليلا،

 حاملة لها نهارا،

 أثناء عمل أمهما طوال اليوم.

أصبحت البنت الكبرى المسؤولة عن رعايتها بعدما فارقت الجدة العجوز الحياة،

وأغلق الباب الوحيد على وجه هذه الأرض الذي كان عونا لهن ماديا ومعنويا،

ولم يبق لهن غير رحمة السماء.

كشف وجه الحياة عن أنياب الشر.

بموت الجدة العجوز وزادت الأمور قسوة وسوءاً..

الليل الدامس كالواقع المرير يتسلل عبر النافذة الثلاجة إلى الغرفة،

وجميلة تأبى أن تعيش حياة الضياع والفساد التي كتبها عليها زوجها ابن عمتها،

وتأبى أن تكتب على طفلتيها حياة الخطيئة إذا استسلمت وقبلت الواقع..

قررت المواجهه والوقوف أمام وجه الفساد والهروب من حياة إلى الحياة.

الهروب من حياة الضياع والفساد إلى أرض الله الواسعة؛

 لعلها تجد النور والحياة الكريمة لها ولابنتيها في إحدى البلاد المجاورة.

نهضت جميلة تبدد ظلام الحاضر من ضياع وفساد،

 تقضى عليه بنور عزيمتها الداخلي،

 بعد أن قررت مواجهته،

 أسرعت إلى لمبة الكيروسين ترفع شريط ضيائها؛

 لتبدد الظلام الذى ملأ الغرفة.

جلبت إحدى ثيابها لعمل صرة،

 رابطة الكمين معا من عند فتحة الرقبة،

 بعزيمة كادت تمزقهما، 

كاشفة عن قوة إرادتها،

  تفقدت بعض علب الدواء وبعد إحكام غلقها،

وضعتها في الصرة، وزجاجة ماء،

وبعض ملابس للطفلتين،

 وبعض كسرات الخبز لتسد به جوع البنت الكبرى،

 أما هي فلن تأبى أن تأكل من حشائش الأرض في بلاد النور والحياة الكريمة.

ايقظت الطفلة الكبرى هامسة باسمها في أذنها مع لطمات خفيفة على خدها؛ 

لعلها تسمعها وتشعر بها وتجيبها تاركة عالم النوم،

 ثم رفعتها من ذراعيها وأوقفتها،

النوم يترنح في جسدها يمينا ويسارا، 

نثرت بعض الماء على وجهها؛

لتطرد النوم الذي يجثم عليها،

 ألبستها ملابسها الثقيلة وحذاءها،

 جلست الطفلة القرفصاء على وسادتها

واضعة رأسها المثقلة بالنوم بين ركبتيها،

التي أحاطتها بساعديها مشبكة أناملها بعضها ببعض،

تنظر إلى الرضيعة الحالمة،

 وأمها تلبسها ملابسها بعين يغلقها النعاس من حين لآخر ويأخذها إلى عالمه.

                       لم تودع جميلة الدار ..

التي احتلها فساد الحاضر وضياع المستقبل،

وعشعش في أركانها،

سكب آلام ألوانه القاتمة على كل ذكريات الماضي،

 فباتت بسمتها باهتة بائسة،

لقد أثر الحاضر المرير على الجدران؛

 فذبل ثوبها الجيري الزهري الذى اكتست به في عرس وحيدها،

والجمل المرسوم عليها اتضح أنه مصاب بفيروس نقص المناعة ضد التقلبات الجوية

 مثل صاحبه وحيد الدار المصاب بفيروس نقص المناعة ضد الرغبات والشهوات،

خاصة بعد موت المعالجين القدامى أبيه وعمه،

 تفشى فيهما المرض،

كانوا يعالجونهم بذكائهم، وخبرتهم، وصبرهم، وتجاربهم،

كانوا يرشون الماء بالملح أو الشبة على ثوب الدار الجيري كل عام؛ لتثبيت ألوانه..

 أما وحيد الدار فكم اكتوت معه جميلة وشربت المر والحنظل،

وسكبت على مشاعرها المغلي من زيت وبترول المصاعب والأزمات

  تحملت آلام الفصد من أجل حبها وحياة كريمة لها ولطفلتيها.

                   بليّ ثوب الدار..

ومات الجمل على الجدران بفيروسه كما مات وحيد الدار في نزواته وشهواته،

وكتب على نفسه ومن حوله حياة الضياع.

أما النخلة مثل صاحبتها تقف شامخة رغم كل المصاعب والأزمات التي تحيط بها،

مجاهدة ألا يصيب سعفها أو طرحها من الواقع أي عدوى،

 على أتم الاستعداد أن تقطع وتحرق سعفها عند ظهور أي بقع سوداء كصاحبتها،

وقفت شامخة، قتلت الحب في قلبها،

تنازلت عن أي متاع وهي الشابة الجميلة من أجل حياة كريمة.

                             انطلقت جميلة..

 تحمل الرضيعة علي إحدى ذراعيها،

والأخرى تمسك بها الصرة وما حويت

 من صيدلية، خزينة ملابس، طعام،

 وتجر طفلتها الكبرى الماسكة بثوبها خلفها،

            انطلقت تشق عتمة الليل

التي تدلت من السماء،

ولامست الأرض،

فأظلمت الحياة،

 هزيم الرياح العاتية الرطبة تلفحها على وجهها،

تدفعها إلى الخلف،

 تعصف دون توقف بالأشجار العالية المتشابكة على جانبي الطريق،

ومن خلفها المزارع،

والبرك  والمستنقعات،

 والتلال  البعيدة،

لا تسمع بين هزيم الرياح إلا نقيق الضفادع بصوتها العالي ونبرتها القوية المزعجة،

وصراخ صرصور الليل بصوته الصاروخي،

وصياح الطيور التي تعرضت لهجوم،

 ومن ورائهم نباح الكلاب، وعواء الذئاب،

والأشباح تتراءى راقصة على هذه الأوركسترا في عتمة الليل

 وهي تعزف مقطوعات الخوف والرعب لكل سامعها ومتنفسها،

لكن.. جميلة لا تهاب طريق عتمة الليل ورفاقه

 فليس هناك أسوأ مما تفر منه.......

مازلت أكتب لكم

 دمتم بخير أحبتي

 سياده العزومي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عزف على اوتار القلب..بقلم الشاعر الغريب

يا قاضي الغرام.... بقلم الاستاذ المبدع مارس نورالدين

بائعة الخبز....بقلم الشاعرة الرائعة الاستاذة نعيمة حرفوش